الإبداع عمليّة منظمة

15:48

أذكر الدكتور فريد عبدال قبل سنتين التفت علينا أثناء المحاضرة وتوجه إلينا بسؤال "ما هو عكس الإبداع؟"

لوهلة بدا لي بأنني أجهل تمامًا ماهية الإبداع الكلمة التي لطالما استهلكتها كلما نظرت لعمل بديع يفتح عقدة في رأسي فانبهر،

كنا صامتين.. -ولا أذكر إجابتي على السؤال وقتها-

واستمرينا بالصمت، نبحث عن الإجابة.. 

قطع صمتنا صوته لما قال "عكس الإبداع هو الخوف، الإبداع حرية"

الخوف عدو الإبداع..


لكن ما الذي يستلزم كي ننزع هذا الخوف؟

المعرفة.

فأنت عندما ترفع جهلك.. تألف ما كنت تجهله، وعندما تألفه لا تعود تخافه.. بل تفهمه فتصير حرًا..


والجدير بالذكر أنه لا جاهل حر، الجاهل يبقى في قيد جهله مالم يتعلم..


وما الذي يلزم المعرفة بالفنون؟

أولها دراستها ومعرفة قواعدها جيدًا وأسسها وأصولها، وثانيها الممارسة..

معرفة الأولى تصب في الثانية،

والثانية تفتح لك أفاقًا لا تصل إليها بالأولى.


وأذكر هذا الاقتباس "اعرف القاعدة بشكل جيد، تكسرها بشكل ممتاز" يختصر كلامي عن العملية الابداعية، إذ أنّ "تكسرها بشكل ممتاز" أصلها ينبع من ثقة وحرية وهي تستوجب المعرفة كما أشرنا مسبقًا.


قد يقول قائل:"إذا تطلبت الفنون كل هذا الإعداد، فأين عفوية الشعور الذي هو أصل الإبداع؟"

عفوية الشعور وصدقه تبقى موجودة، لكن الفرق بين الذي يعبر عنه بين أصحابه وبين الفنان هو أن الشخص العادي الذي يعبر عنها لأصحابه، يجول حول الفكرة أو الشعور دون أن يصيبهما، بينما الفنان -الذي لديه المعرفة التي تكسبه معانيًا وأسماءًا جديدة- فإن الحلقة التي يدور فيها حول المعنى أو الشعور تكاد تكون أضيق يعني أقرب للمعنى، وكلما زادت معرفته.. كلما اقترب من إصابة الشعور أو الفكرة.

المعرفة لا تقتل عفوية وصدق الشعور، لكنها تعطي القدرة لتصويره بشكل أفضل.

نصف قلب

00:20

خرجت من كوخها لترى العالم بعدما غابت عنه فترة كافية في نظرها،
أحست بصعقة باردة في صدرها عندما أقامت الشمس سخونتها على جلدها،
مشت.. فتنتها زهور على الطريق،
كانت متفتحة.. في أوج زهوتها،
فتحسست جفاف بشرتها.. وبدت لها أخاديد تحت عينيها لا -كما كانت تظن- هالات السهر..
تراجعت..
ترددت بين أن تكمل طريقها أو تعود،
كان الخوف يتملكها..
لكنها سمعت تغريد عصفور على الشجرة،
أرخت سمعها له..
خطر لها أن تغني معه،
تذكرت بأنها فقدت قدرتها على الكلام عندما غابت عن العالم..
تقلص حجمها أكثر..

سارت بعيدًا عن الشجرة قرب نهر يجري،
جثت على ركبتها على إحدى ضفافة..
سرتها شفافية الماء وترقرقة،
رغبت بأن تخرج قلبها كي تغسله،
شقت صدرها..
ولما أخرجه أدركت بأنه ما عاد قلبًا كاملًا لكن نصف قلب..

April 15, 2016

10:15

ولما بدأت السماء بارتداء ثوبها المرصع بالنجوم،
مدت يديها -تلك الصبية ذات الحاجبين الغير متشابهين- للحفرة القابعة تحت سريرها،
هي تعلم خطورة ما تفعله..
لكنها فقدت القطعة التي تغطيها بها منذ سبع وثمانون يوما لم تأت بقطعة أخرى كي تغلقها، إنما بقيت تدخل رأسها فيها كلما ذهبت الشمس للجانب الآخر من العالم،
تدخل شعرها،
عينيها..
فمها..
رقبتها..
يديها..
تدخل حتى منتصف بطنها وتبقي بقاياها الأخرى مثبتتة على قاع غرفتها، كي تضمن -كما تدعي- عدم وقوعها،
وبأن "قلبها" محصن بهذه الطريقة..
تعلم بأنها تخطىء وتستمر بالخوض بالخطر،
لكنها تنتظر/تنظر -في مخيلتها- لليد التي تألفها كي تنتشلها من هذا كله..

وتعود مرة أخرى

15:43

تغفو تعود للحلم..
يكبر رأسها، ويتسع قلبها حتى يحمل العالم كله!

تفرد ذراعيها وكأن كل "فرصة أخرى" قد ألقت بنفسها على صدرها..
تنسى أنه ماء، في كل مرة تقبض عليه.. يفر من بين أصابعها،
ويختفي..
-
وعند الصباح..
عندما تبدأ الشمس بتعرية العالم وتصغر الظلمة لتكتفي بالظلال..

تلعنه،
وتختبر شتائم جديدة تليق بالموقف..
يتقوقع الشر في قلبها، وكأن كل خوف ملأ العالم في الليلة الماضية قد لاذ إليه..
-
ثم تغفو وتعود للحلم مرة أخرى..

"ما رأيت إلا جميلا"

05:07

مشت ثلاثة خطوات نحوي ثم توقفت،
جثت على ركبتيها أمامي..
أبعد خصلات شعرها عن وجهها، تنهدت.. ثم قالت:"قبل ساعة كان الحلم حاضرًا أكثر من أي وقت مضى..
مشيت كان الطريق سالكًا أمامي ورغم أن السماء بعيدة إلا أنني كنت أشعر بالألفة نحوها كلما نظرت إليها..

وفي الطريق مررت على غرفة قديمة، برائحة كعك الليمون الذي تعده خالتي.. كان منظرها غريبًا كونها غرفة مستقلة لا داخل بيت ولا يحيط بها سور أو حديقة تمامًا مثل "الفقع"..
لكنه ليس موسم المطر،
فتحت الباب ضربت الرائحة أنفي..
شعرت.. لا أدري كيف أصف هذا،
لكن..
أتعرفين تلك اللحظة التي تقرر الذكرى اجتياحك بكل أسلحتها؟

الرائحة، الصوت، الرعشة.. وحتى المذاق،
تدخل إليك بجنون وكأنك الوجبة الأولى لها منذ ثلاث سنوات، وكأنه لا يليق بها أن تكون خارجك..

نظرت إلى زاوية الغرفة، رأيته..
رأيت وجهه..
كان غريبًا لا يشبه صورته التي بقيت في ذاكرتي،
وكأنه قد بهت لونها مع مرور الزمن،
ذقنه الطويل حدود وجهه، ابتسامته/الهلال..
حاجبيه،

أستطيع تصوير ما رغبت به لحظتها،
رغبت بأن أديم النظر إليه مبتسمة.. أردته أن يقرأ في عينيّ "ما رأيت إلا جميلا"،
وددت لو أنني مددت يدي إليه،
ويمسك بي..
وآخذه معي،
ونمشي معًا مرة أخرى، تحت أشجار الزيتون التي تنبت كلما قرأت لغسان كنفاني..
والأمان الذي أحسه في صوت فيروز يتشبث بنا،
وأخبره عن آخر أخباري ويخبرني عن أخباره.. وكأن شيئًا لم يحدث،
سأقول له بأنني أشتاق للشعر،

وبأنه.....
كما الشعر

كذبة جميلة..
وسحر باطل أيضًا"
كان كلامها يتقطع في آخره،
لكنني اكتفيت بالصمت والنظر هذه المرة..

15:49

حافية القدمين،
تلوذ إلى مخيلتها..
تسدل شعرها الذي ازداد طوله عن آخر مرة شبرا كاملا،
لكنه لا يزال أقصر مما كان عليه قبل سنتين،
تضع رأسها على غيمة.. والنجوم أقرب ما تكون

تلاحظ..
كان الطريق مفتوحا،
وكان الجانب الآخر يبعد مسافة امتداد رقبتها عندما يجرها الفضول،
تنزل من الغيمة وتسير على قطرات المطر،
بخطوات واسعة خاطفة..

وتردد:"يمنحني الله خفة الريشة، براءة الحمامة، وطهر الغيم.. عندما أحزن، فأعفو عنك"
تجري..
الجانب الآخر يبتعد،
المسافة لا تزيد، المسافة ثابتة..

تقفز..
تحاول إيجاد مختصر،

رقبتها لا تطول..
تراقب خطواتها
الجانب الآخر
خطواتها
الجانب الآخر
الطريق
خطواتها
الجانب الآخر
الطريق
السماء
تلتفت للغيمة
الجانب الآخر
الجانب الآخر
الجانب الآخر
-
طلعت الشمس،
تشكل قوس المطر تحت أقدامها،

تشهق!
تمد يديها..


وقعت..
-
استيقظت..
كانت تتعرق
نبضها متسارع،
تتلفت

تتنهد
تعيد نظرها للنافذة بخيبة..
تعود للنوم

19:38

ولأن عصفور قلبها قد طار أخيرا،
شعرت بالخفة.. وأحست بأنها -بتبخترها على طرف الحلم- طاووس قد جمع الحسن على ريشه..

تكثفت أهدابها وتوسعت عينيها
طالت رقبتها، وتقوس خصرها أكثر..

وأمتد فستانها -الذي حاكته أوهامها الحلوة- من الليل حتى طلوع الفجر..
ملتفا على جسدها، مثل ضمة طفل..

ولوهلة شعرت بأن وجهها قد جمع الشمس والقمر،
وبأن خطوها مثل خطو غزال يتفتح من تحته الزهر..

-
غاب كل شيء،
وانطفأ القمر..
كانت تدور في غرفتها،
وفي اللحظة التي مس نور الشمس جسدها
همست وقد تكسر الكلام بين شفتيها
"لا أدري.. لا أفهم"

ترك الليل ظله تحت عينيها.. وهرب

Popular Posts